تعريف الوقف
تعريف الوقف
تعريف الوقف
الوقف لغة:
الحبس عن التصرف ويقال : وقفت كذا أي حبسته أو تصدقت به أو أبدته أي جعلته في سبيل الله إلى الأبد ، وجمعه أوقاف.
وشرعا :
تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة على بر أو قربة بحيث يصرف ريعه إلى جهة بر تقرباً إلى الله تعالى والمراد بالأصل ما يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه.
نشأتـه :
أول وقف في الإسلام هو وقف عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – وذكر ابن خزيمة في صحيحه: (باب ذكر أول صدقة محبسه تصدق بها في الإسلام)، ثم ذكر اثر ابن عمر معلقا.
الأصل في مشروعيته:
شرع الله الوقف وندب إليه وجعله قربة من القرب التي يتقرب بها إليه وأصل مشروعيته من الكتاب والسنة الثابتة والإجماع أما الكتاب فعموم الآيات التي تحث على الإنفاق والصدقة كقوله تعالى( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون.)
أما السنة:
فقد ورد في صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:" أصاب عمر بخيبر أرضاً، فأتى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: أصبت أرضاً لم أصب مالاً قط أنفس منه، فكيف تأمرني به؟ قال: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها، فتصدق بها عمر أنه لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث وإنما هي صدقة في الفقراء والقربى والرقاب وفي سبيل الله والضيف وابن السبيل، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف أو يطعم صديقاً غير متمول فيه". وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ("إذا مات ابن أدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له".) أخرجه مسلم
أما الإجماع:
يقول الترمذي معلقاً على حديث ابن عمر السابق في وقف عمر للأرض التي أصابها بخيبر.. (والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، لا نعلم بين المتقدمين منهم في ذلك اختلافاً في إجازة وقف الأرضين وغير ذلك) .وقد حكى الكاساني في البدائع: الإجماع على جواز وقف المساجد .وقال القرطبي : لا خلاف بين الأئمة في تحبيس القناطر والمساجد واختلفوا في غير ذلك.فقد حكى الشوكاني في نيل الأوطار أن الترمذي قال: لا نعلم خلافا بين الأئمة في تحبيس القناطر والمساجد واختلفوا في غير ذلك. وعن انس بن مالك – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – (سبع تجري للعبد بعد موته وهو في قبره، من علم علماً، أو كرى نهراً أو حفر بئراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورث مصحفاً أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته) – رواه ابن ماجه – ولقد جمع السيوطي رحمه الله ما ورد في الأحاديث النبوية من أنواع الصدقات الجارية ونظمها في :
عمل الصحابة:
قال جابر رضي الله عنه : ما أعلم أحدً كان له مال من المهاجرين والأنصار، إلا حبس مالاً من ماله صدقة مؤبدة لا تشترى أبداً، ولا توهب، ولا تورث . وقال الحميدي شيخ البخاري: (تصدق أبو بكر بداره على ولده، وعمر بربعة عند المروة، وعثمان برومة، بئر بالمدينة، وتصدق علي بأرضه بينبع، وتصدق الزبير بداره بمكة، و داره بمصر، وأمواله بالمدينة على ولده،وتصدق سعد بداره بالمدينة، و داره بمصر على ولده، وعمرو بن العاص بالوهط، وداره بمكة على ولده، وحكيم بن حزام بداره بمكة والمدينة على ولده. قال: فذلك كله إلى اليوم، فإن الذي قدر منهم على الوقف، وقف، واشتهر ذلك فلم ينكره أحد، فكان إجماعاً) .
تاريخ الوقف
الوقف في الماضي والحاضر
عرف الوقف عند الأمم القديمة إذ كانت توقف عقاراتها وتجعلها أماكن للعبادة منذ أن عرف الإنسان العبادة ولم يقتصر الوقف علي دور العبادة بل إن أحد حكام النوبة( بنوت ) في عهد رمسيس الرابع حبس أرضاً له ليشترى بريعها كل سنة عجلاً يذبح على روحه .كما دلت الآثار على أن اليونانيين القدامى وجد أن الوقف كان معروف لديهم ، فقد أوقفت أرض لإقامة الشعائر الدينية في بعض مدنهم .كما أن الرومان أيام عهد جمهوريتهم ارتقى نظامهم بعد ظهور الديانة المسيحية فعينت الحكومة للوقف موظفاً عمومياً يسهر على تنفيذ شروط الواقفين .
وفي الجاهلية كانت للعرب بيوت عبادة وملاحق للمعابد مواضع يخزن فيها ما يقدم إلى المعبد من هدايا ونذور، وما يرد إليه من غلات أوقفها أما الوقف الذري فقد ذكر أن مصر القديمة عرفت حبس الأعيان عن التملك والتمليك ، وجعل ريعها مرصوداً على الأسرة والأولاد ومن بعدهم على أولادهم ، ينتفعون بغلتها دون أن يملك أحدهم التصرف في الأعيان تصرفاًيثبت للغير ملكية عليها، كما عرف الرومان الحبس على الذرية عن طريق الايصلء، كما استمر هذا النوع من الحبس على الذرية في أوروبا أجيالاًتحت اسم الاستخلاف أو باسم الأرشدية وكان عبارة عن حبس جزء من أموال الأشراف على أرشد العائلة مقابل التكاليف التي تتطلبها مظاهر ألقاب الشرف وهى ألقاب كان يتوارثها الأرشد بالأرشد . ولما جاءت الحملة الفرنسية قضت على هذا النظام ومن الأوقاف التي اشتهرت عند العرب قبل الإسلام، الوقف على الكعبة المشرفة، بكسوتها وعمارتها كلما تهدمت، وأول من كسا الكعبة، ووقف عليها (أسعد أبو كريب ملك حمير) .
وفي العصر الحاضر:
في بعض الأنظمة الغربية ما يشبه الوقف، ومن ذلك أن النظام الألماني جعل هناك ذمة مالية لمجموعة من الأموال، يصرف ريعها وغلتها على الأعمال الخيرية، ويوجد هناك مشرف لهذا المال، يشبه الناظر على الوقف في النظام الإسلامي .كذلك يوجد ما يعرف بالإنفاق على الكنائس والمعابد من قبل الناس، بقصد القربة.
تاريخ الوقف عند المسلمين:
لقد عُرف الوقف عند المسلمين في حياة النبي عليه الصلاة والسلام حيث كان صلى الله عليه وسلم من أجود الناس في بذل الخير، والصدقات، والإحسان إلى الناس، حتى أن من تناول سيرته صلى الله عليه وسلم ذكروا أبواباً خاصة في بيان صدقاته صلى الله عليه وسلم وإنفاقه في الخير ولذا كان أول وقف في الإسلام كما قالت الأنصار: هي صدقة النبي صلى الله عليه وسلم. وذكر الخصاف في الأوقاف عن محمد بن عبدالرحمن عن سعد بن زراة قال: ما أعلم أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل بدر من المهاجرين والأنصار إلا وقد وقف من ما له حبساً، لا يشترى، ولا يورث ولا يوهب، حتى يرث الله الأرض ومن عليها . و يعد عصر الخلفاء الراشدين أفضل العصور الإسلامية بعد عصر النبوة، حيث اتسعت رقعة الدولة الإسلامية، وتطور المجتمع الإسلامي.
وتطلّب ذلك توجه الناس للنشاطات المختلفة. في مجال البر والإحسان وكان من أثر ذلك أن كثرت الأوقاف الإسلامية في مختلف المجالات ولعلنا نبرز هنا بعض النماذج للأوقاف، التي وجدت في عصر الخلفاء الراشدين .
1 – المساجد:
إن إيقاف المساجد في عصر الراشدين بلغ ذروته، حيث كانت المساجد مربوطة بالخلفاء الراشدين، والأمراء مباشرة، فهم أئمة المساجد، والجوامع الكبرى.
2 – أوقاف عامة:
لقد اهتم الصحابة رضوان الله عليهم في عصر الخلفاء الراشدين بالأوقاف العامة والتي من أهمها
( أ ) وقف الدور، وهي أشهر الأوقاف عند الصحابة رضوان الله عليهم.
(ب) وقف الأراضي الزراعية، ومن أشهر الموقفين لها عمر بن الخطاب وعثمان وعلي والزبير بن العوام رضي الله عنه.
(ج) حبس المال والدواب والسلاح للجهاد في سبيل الله كما في الحديث السابق ((أما خالد فقد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله)) . وقد كان عمر رضي الله عنه يجهز الكثير من الغزاة في سبيل الله، بأمتعة خاصة للجهاد في سبيل الله .
(د) حفر الآبار وتسبيل المياه، ومن أشهرها بئر رومة، ومن ذلك أن عمر رضي الله عنه، أمر سعد بن أبي وقاص أن يحفر نهراً لأهل الكوفة . وقد أمر أبا موسى الأشعري كذلك بحفر نهر لأهل البصرة أثناء ولايته لها .
حكم الوقف
لتشريع سنة الوقف حكمة عظيمة أبرزها:
إيجاد مصدر تمويلي دائم لتحقيق مصالح خاصة ومنافع عامة يساهم فيها من وسع الله عليهم من ذوي الغنى واليسر. والوقف سبب رئيسي في قيام المساجد والمدارس والربط ونحوها من أعمال الخير، والمحافظة عليها، فإن أغلب المساجد على مدى التاريخ قامت على الأوقاف، بل أن كل ما يحتاجه المسجد من فرش وتنظيف ورزق القائمين عليه كان مدعوماً بهذه الأوقاف.
أنواع الوقف :
ينقسم الوقف بحسب الجهة التي وقف عليها إلى نوعين:
•
الوقف الخيري : ماخصصت منفعته لعموم البر أو لجهة خيريةً
• الوقف الأهلي (الذري) : مايوقفه الواقف على نفسه ابتداءَ أو على أولاده أو كليهما معاً أو على أشخاص معينين من ذريته أو من غيرهم
أحكام عامة على الوقف
بيع الوقف وإبداله
يجوز بيع الوقف وإبداله إذا تعطلت مصالحه أو قل الانتفاع به أو كان في بيعه أو إبداله أو نقله مصلحة للمسلمين. لكن لا ينبغي للواقف أو لناظره التصرف إلا بعد مراجعة المحكمة، وذلك أن الحكم على تعطل منافع الوقف أو ضعفها وتقرير المصلحة تختلف في هذه الأمور فلا بد من مراجعتها.
تعيين الواقف ناظراً
إذا شرط الواقف النظر على وقفه لنفسه أو غيره واحداًكان أو أكثر جعله مرتباًبينهم كأن يجعل الولاية لفلان فإذا مات فلفلان، إذا شرط ذلك وجب العمل بشرطه لما روي أن عمر – رضي الله عنه – " كان يلي أمر صدقته – أي وقفه – ثم جعله إلى حفصة تليه ما عاشت ثم يليه أولوا الرأي من أهلها" رواه أبو داود.
شروط الناظر
يشترط فيمن يتولى النظر على الوقف جملة من الشروط هي :
• الإسلام: وذلك لأن النظر ولاية ولا ولاية لكافر على مسلم.
• العقل: فلا يصح أن يتولى النظر مجنون.
• البلوغ : فلا يصح تولية النظر للصغير.
• العدالة : هي المحافظة الدينية على اجتناب الكبائر وتوقي الصغائر وأداء الدائرة، وحسن المعاملة.
• الكفاية : وهي قدرة الناظر على التصرف فيما هو ناظر فيه.
الوقف على النفس
- يثبّت الوقف ولا يمكن تغييره.
- يتم الانتفاع بالوقف في حياة الواقف
- تجنب أي إنكار أو تأخير.
- ينتقل الوقف مباشرة بعد وفاة الواقف إلى الجهة التي عينها لتقوم بإدارته والصرف عليه وفق ما يشترط الواقف في الصك الوقفي من شروط .
- يصبح الوقف خيري أو ذري حسب ما يشترط الواقف بوثيقة الوقف.
- له الحق اختيار اي شروط تضمن استمرارية الوقف .
معوقات إكمال الوصية بالوقف
- أن يتنازع الورثة على التركة وتتأخر حصة الوقف.
- نفي العلم بوجود الوصية من الورثة.
- استغراق الدين كل التركة فلا يبقى للوصية بالوقف شيء.
- الوصية بالوقف غير لازمة قبل وفاة الموصي فيسهل إنكارها أو إخفاؤها.
الناظر على الوقف
يجب على الناظر القيام بكل ما من شأنه الحفاظ على الوقف ورعاية مصلحته
من ذلك :
• عمارة الوقف: بأن يقوم بأعمال الترميم والصيانة حفاظاً لعين الوقف من الخراب والهلاك .
• تنفيذ شروط الواقف: فلا يجوز مخالفة شروطه أو إهمالها ويجب الالتزام بها .
• الدفاع عن حقوق الواقف : في المخاصمات القضائية رعاية لهذه الحقوق من الضياع .
• أداء ديون الوقف : تتعلق الديون بريع الوقف لا بعينه وأداء هذه الديون مقدم على الصرف على المستحقين لأن تأخيرها تعريض للوقف بأن يحجز ريعه .
• أداء حقوق المستحقين في الوقف: وعدم تأخيرها إلا لضرورة كحاجة الوقف إلى العمارة والإصلاح أو الوفاء بدين .
ما لا يجوز للناظر من التصرفات :
هناك جملة من التصرفات يمنع منها الناظر لما فيها من إضرار بمصلحة .الوقف، ومن ذلك.
• التلبس بشبهة المحاباة كان يؤجر عين الوقف لنفسه أو ولده لما في ذلك من التهمة.
• الاستدانة على الوقف ليكون السداد من ريع الوقف، إلا في حال الضرورة وذلك لما فيه تعريض الريع للحجز لمصلحة الدائنين.
• رهن الوقف لما قد يؤدي إلى ضياع العين الموقوفة.
• إعارة الوقف، إلا للموقوف عليهم.
• الإسكان في أعيان الوقف دون أجرة.
الوقف المضاف لما بعد الموت.
إذا قال الواقف جعلت هذا البيت وقفاً بعد موتي أو إذا مت كان هذا البيت وقفاً، فيصح الوقف ويكون حكمه حكم الوصية، فيجب أن يكون في حدود الثلث ويجوز له الرجوع عنه ولا يجوز أن يصرف لوارث، ويكون حكم الوقف في أنه لا يباع ولا يوهب ولا يورث.
أجرة الناظر
يستحق الناظر ما شرط له الواقف من الأجرة وإن زادت على أجرة المثل، فإذا لم يشرط له شيء رفع أمره للقاضي ليقرر له أجرة المثل، وكذلك إذا عين الواقف للناظر أجر أقل من أجرة المثل فللناظر رفع أمره للقضاء ليقرر له أجرة المثل.
إقرار الناظر بالنظر لغيره
إذا عزل الناظر نفسه بأن أسقط حقه من النظر لغيره فإنه لا يسقط حقه من النظر لغيره ويستنيب القاضي من يباشر عنه في الوظيفة، أما إذا شرط الواقف النظر لإنسان وجعل له أن يفوض النظر إلى من أراد فله ذلك ولا يزول الناظر عن نظارته بهذا التفويض ويكون من فرضه وكيلاً عنه.
عزل الناظر
يعزل الناظر بالفسق المحقق ويعزل إذا فقد أهليته فينزع القاضي الوقف منه وإن كان الواقف قد شرط له النظر، ويتولى القاضي النظر وله أن يوليه من أراد، ولا ينتقل النظر إلى الناظر التالي حسب ترتيب الواقف لأنهانتقال النظارة إلى الناظر مشروط بفقد الناظر الحالي ولم يفقد، فإذا عادت الأهلية إلى الناظر المعزول عادت النظارة إليه إن كان الواقف هو الذي عينه في النظارة أصلاً وإلا فلا تعود إليه.